رسالة أ.د / محمد بديع المرشد العام: الإسراء.. وحق العرب والمسلمين في فلسطين
[center]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد.
فيقول الله تعالى:
(سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنْ الْمَسْجِدِ
الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ
لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1))
(الإسراء).
عالمية رسالة الإسلام
لقد اشتملت رحلة الإسراء
على معانٍ كثيرة، وإشارات حكيمة بعيدة المدى: فقد تضمنت قصة الإسراء، أن
محمدًا صلى الله عليه وسلم هو نبي القبلتين، وإمام المشرقين والمغربين،
ووارث الأنبياء قبله، وإمام الأجيال بعده، فقد التقت في شخصه وفي إسرائه
مكة بالقدس، والبيت الحرام بالمسجد الأقصى، وصلى بالأنبياء خلفه، فكان هذا
إيذانًا بعموم رسالته وخلود إمامته، وإنسانية تعاليمه، وصلاحيتها وإصلاحها
للإنسان، كل الإنسان في كل مكان وفي كل زمان: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ
رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)) (الأنبياء)، كما كان في الإسراء وفاء
الأنبياء والرسل بالميثاق الذي أخذه الله عليهم في قوله تعالى: (وَإِذْ
أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ
وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ
لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ
عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا
مَعَكُمْ مِنْ الشَّاهِدِينَ (81)) (آل عمران).
وإن في اصطفاف الأنبياء في
بيت المقدس وصلاتهم خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم لدليلاً ساطعًا
وبرهانًا قاطعًا على أنهم آمنوا به واتخذوه إمامًا، وأتباع الأنبياء جميعًا
مدعوون أن يؤمنوا بما آمن به رسلهم، ففي ذلك الخير لهم في الدنيا والنجاة
لهم في الآخرة، وبذلك ينطق دستورنا القرآن الكريم: (وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ
الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمْ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمْ
الْفَاسِقُونَ (110)) (آل عمران).
فإن رفضوا هذا الخير
وأَبَوْ إلا المكر والكيد للإسلام والمسلمين بإشعال نيران الفتن والحروب،
(وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا) (المائدة: من الآية 33)، فعلى
المسلمين ألا يضعفوا وألا يستكينوا وليطمئنوا إلى وعد ربهم بأن مكر هؤلاء
وكيدهم سيرتد إلى نحورهم، وأن ما يلحقنا منهم من أذى هو أذى قليل، ويعقبه
نصر من الله وفتح مبين: (وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمْ الأَدْبَارَ
ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ) (آل عمران: من الآية 111).
توجه البشرية إلى الخير
إن في ذكرى الإسراء من
المسجد الحرام بمكة، إلى المسجد الأقصى بالشام إيذانًا بأفول نجم الباطل
وتجار الحروب وناشري الربا والرذيلة في كل بقاع الأرض، وسطوع شمس الإسلام،
وتحول دفة القيادة للبشرية من يد الذين عاثوا في الأرض فسادًا إلى قيادة
جديدة اصطفى الله لها خاتم النبيين والمرسلين محمدًا صلى الله عليه وسلم في
رحلة الإسراء؛ ليخرج الناس، كل الناس، من الظلمات إلى النور ويعيشوا
متمتعين بالحرية والعدل والمساواة وحفظ العقائد والأعراض والأنفس والأموال،
وقد آن الأوان لسيادة القيم الروحية بين الأمم؛ بالبر والخير، ولا يزال
القرآن العظيم محفوظًا ويهدي إلى سواء السبيل (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ
يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) (الإسراء: من الآية 9)، وقد جاءت هذه
الآية بعد الحديث عن الإسراء وعن فساد وإفساد بني إسرائيل في سورة الإسراء،
وهي تسمى أيضًا بسورة بني إسرائيل، وكأنها تكشف عن طبيعة هؤلاء، وعن
أفعالهم ضد الإنسانية، وأن الأمة المسلمة لن تتمتع بالعزة، ولن تصل إلى
حريتها وأمنها إلا من خلال اتباع النهج القويم الذي يرسمه القرآن الكريم،
وبهذا المنهج القرآني الكريم تتكون الأمة الراشدة، بكل القيم والفضائل التي
هي أسس الرسالات السماوية جميعًا (الوصايا العشر في سورة الإسراء) والتي
لخص الرسول صلى الله عليه وسلم رسالته فيها "إنما بعثت لأتمم مكارم
الأخلاق"، وقد أشادت الآية الكريمة بوحدة الرسالات السماوية ﴿شَرَعَ لَكُمْ
مِنْ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ
وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا
الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا
تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي
إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (13)﴾ (الشورى) في مصدرها من الله وفي تتابعها جيلاً
بعد جيل على نفس الأسس وفي ختام الوحي بمحمد صلى الله عليه وسلم.
الإسراء يحدد أصحاب الحق في فلسطين
إن الإسراء يبرهن على أن
أرض فلسطين هي أرض العروبة والإسلام، الأمر الذي يستلزم أن تكون هذه
المنطقة في حوزة أصحابها حتى تكون طريق المسجد الأقصى آمنة، ومفتوحة للذين
يشدون الرحال إليه، ولا يصدهم عنه أحد.. وإذا كان في تلك الديار مقدسات
لأصحاب الديانات السماوية ويحجون إليها، فيجب احترامها والمحافظة عليها، بل
والدفاع عنها، ويعرف الجميع أن الإسلام هو الدين الوحيد الذي يعيش في كنفه
كل أصحاب الأديان السماوية والمعتقدات، دون إكراه لهم في عقائدهم
وعباداتهم وأحوالهم الخاصة؛ بل ويعاقب من يتعدى عليهم أو على معتقداتهم
ودور عباداتهم وممتلكاتهم وأرواحهم وأعراضهم عقابًا أليمًا فهم في ذمة الله
عزَّ وجلَّ وهي أعلى ضمانة عرفتها البشرية.
في الإسراء تحذير من محاولات فرض الهيمنة والوصاية
ومع بشائر اليقظة للشعوب
العربية الإسلامية، ومع طلائع نسمات الحرية، وبزوغ فجر جديد للأمة، فإن
أصحاب المصالح في الغرب والشرق يقفون في حيرة، ويفكرون في دهشة: كيف لهم أن
يبقوا وصايتهم على المنطقة عامة وعلى الشرق الأوسط خاصة حتى لا تقوم لهم
قائمة؟ وماذا يفعلون ليحافظوا على تبعيته لهم وانصياعه لأوامرهم؟ وما
السبيل لأن يجعل من هذه البلاد مصدرًا إستراتيجيًّا مستمرًا للمواد الخام
وللطاقة وسوقًا رائجة لمنتجاته؟
بل إن تفكيرهم ومكرهم
مستمر بالليل والنهار؛ ليلتفوا على ثورات الأمة المباركة حتى لا تؤتي أكلها
لتلك الشعوب من العزة والحرية والكرامة والنهضة، وإنهم ليستخدمون كل
حيلهم، ويسخرون الكثير من قدراتهم وإمكاناتهم، ويقدمون كل الإغراءات بالمال
وغيره، لاستقطاب ما يقدرون عليه من عناصر هذه الأمة العظيمة حتى تكون
أبواقًا لهم، تقوم بعملهم نيابة عنهم، وتنشر فكرهم، وتروج لباطلهم، وتثير
الرعب في نفوس الشعوب من الذين يدعون إلى الاستقلال التام والخروج عن
التبعية للغير، ورفض الوصاية من أي قوة شرقية أو غربية.
إن حياتنا الكريمة لا تكون
إلا بالاستجابة لما يدعونا الله إليه، وخيرنا وسعادتنا في اتباع رسول الله
صلى الله عليه وسلم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ
وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) (الأنفال: من الآية
24)، وفي ذلك تحقيق العدل والمصلحة للبشرية جميعًا.
يا قومنا: نحن منكم وبكم ولن نكون عليكم أبدًا
إن الإخوان المسلمين جعلوا
لهم غايةً تجلَّت في هذا الشعار: "الله غايتنا" ولم يكونوا في يوم من
الأيام منذ نشأتهم وحتى الآن نفعيين أو انتهازيين، ونحن جزء من نسيج هذه
الأمة، ونسعى للنهوض بها مع أبنائها، ونعمل على ارتقائها، وإننا لنعجب من
تحوُّل العديد من وسائل الإعلام من صحف وفضائيات ومجلات إلى الهجوم غير
المبرر علينا وكَيْل التهم، والتجني زورًا وكذبًا وبهتانًا، مع أن ذلك ذلك
لن يضيرنا بإذن الله، ولن يوقف سيرنا، ولنا في رسول الله صلى الله عليه
وسلم أسوة حسنة في صبره الجميل على أذى قومه، وما لحقه منهم قبل رحلة
الإسراء والتسرية، والذي بلغ أقصى مداه في الحصار، وعودته من الطائف بعد
رميه بالحجارة من السفهاء، حتى سالت الدماء من قدميه، ومع تسخير الله لقوى
السماء والأرض له ليدفع عن نفسه كان قوله: "اللهم اهد قومي فإنهم لا
يعلمون".
ونحن ندعو كل أبناء الأمة
إلى أن يتمسكوا بالقيم والأخلاق التي تفرضها كل الأديان السماوية، ونهيب
بكل دعاة الإصلاح في مصر التعاون في عمارتها والنهوض بها، والمحافظة على
مكتسبات الثورة، وتقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة.. وأن نتحرى
الصدق والمصداقية في كل ما ندعو إليه.. وأن تسبق أعمالنا أقوالنا.. وأن
نحترم خيار الشعب.. وأنه لا يحق لأي شخص أو طائفة أن تفرض وصايتها على هذا
الشعب العظيم.. ظنًا منها أن الشعب قاصر، أو لا يفهم مصلحته أو غير ذلك..
وأن يلتزم الجميع بالمحافظة على حرمات الآخرين، وفي مقدمة ذلك كفّ اللسان
والقلم عن التجريح والرمي بالظنون والأوهام.. ورب كلمة أوردت قائلها
المهالك، ولو أراد أن يرجع عنها فإنه لا يستطيع، وقد جاء في حديث الإسراء:
".. أن الرسول صلى الله عليه وسلم أتى على جحر صغير يخرج منه ثور عظيم،
فجعل الثور يريد أن يرجع من حيث خرج فلا يستطيع، قال: ما هذا يا جبريل؟
قال: هذا الرجل يتكلم بالكلمة العظيمة ثم يندم عليها فلا يستطيع أن يردها"،
وقال صلى الله عليه وسلم "إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقى
لها بالاً فيهوي بها في النار سبعين خريفًا".
ونصيحتي للإخوان المسلمين
أيها الإخوان المسلمون
رجالاً ونساء، شيبا وشبابًا: أخلصوا لله نياتكم، واصدقوا مع الله في
جهادكم، واتبعوا العمل بالعمل، مع كل المخلصين من جميع أطياف المجتمع فيما
نتفق عليه من الخير لخدمة هذا البلد الطيب وشعبه العريق في جميع المجالات
واعلموا أن الله يراكم ويحصي كل أفعالكم، ولن يتركّم أعمالكم واشكروه على
ما منحكم من خير بالعمل، واستيقنوا من سمو دعوتكم، ونبالة مقصدكم، وتأييد
الله لكم، واستمسكوا برباط الإخاء، واحرصوا على الطاعة والثبات، فكل ذلك من
أركان بيعتكم، واحذروا المراء والجدل فهو سبيل الفرقة، وطريق الفشل، لأنه
"ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل" واصبروا على أذى الغير
الذي يحاول النيل منكم، واعلموا أن العاقبة لِمَن نصح وصدق وأخلص وتجرد:
(وَقُلْ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ
وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ
فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (105) (التوبة).
وصلى اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
الله أكبر.. ولله الحمد
[/center]